العقم وتطور الأبحاث
العلمية
بدأت الدراسات عن نمو البويضة ونضجها حوالي سنة 1930م. واستمرت البحوث
لتحسين القدرة على الإنجاب، وتطورت كذلك العقاقير المستعملة لهذا
الغرض، حتى كان أول انتصار علمي سجله التاريخ عندما نجحت عملية الإخصاب
خارج الرحم (طفل الأنابيب
I.V.F)
عام 1978م. لسيدة في بريطانيا وتمخضت العملية عن ولادة طفلة لهذه
السيدة تدعى (لويزا براون) في 28 تموز في مدينة أولدام (Oldham)
وكانت الولادة بعملية قيصرية، ونود الإشارة هنا إلى إن تجارب الإخصاب
خارج الرحم ابتدأت مع الثدييات (الحيوانات التي تحمل وترضع كالإنسان من
هذه الناحية)، ورغم بعض الصعوبات والعوائق الاجتماعية التي واجهت هذه
التجارب حينذاك أخذت هذه البحوث عام 1980م. الصيغة القانونية والدينية
بالسماح رغم أن ذلك تحدد أيامها بشروط معينة يجب أن تتوافر في الزوجين،
كأن يكون الزوجان سليمين من الناحية الصحية، الرجل الطبيعي والزوجة
لديها دورة شهرية منتظمة (حيض) ورحم (Uterus)
وعمر الزوجين أقل من 35 سنة، وأن تكون السيدة قد أجريت لها عملية
استئصال قناتي فالوب، كانت هذه الشروط في البداية واجبة لكي يحصل
الزوجان اللذان سيخضعان لتجربة طفل الأنابيب على الموافقة القانونية
أيامها، ومع تطور التجارب والنجاح المطرد بدأ استعمال الأدوية المنشطة
للمبيض في حالة وجود كسل فيه أو كون الدورة الشهرية غير مخصبة، وكلما
ظهر نجاح جديد في الأفق تم الإقلال من الشروط القاسية التي وضعت
سابقاً.
ونود الإشارة هنا
إلى أن جهوداً عمليةً مضنية وطويلة ابتدأت تقريباً مع بداية القرن
العشرين للتوصل إلى حل لما تبقى من المشاكل الصحية التي لم تحل، وتطورت
الأدوية التي تساعد على تنشيط وتنظيم عمل المبيض، أي أن ما يوصف لك
اليوم عزيزتي الزوجة، عزيزي الزوج من علاجات سواء الحقن (الإبر) أو
العقاقير التي تؤخذ عن طريق الفم، أو التداخلات الجراحية هي خلاصة
مسيرة عملية طويلة. ولأن هذه العلاجات أغلبها تقريباً عبارة عن هرمونات
كالتي تفرز طبيعياً في جسم الإنسان فقد لوحظ من خلال التجارب العلمية
الأولية أنها إن أخذت من الحيوانات المولودة قد تحفز جهاز المناعة في
جسم الإنسان وتؤدي إلى رفض جسم الإنسان لها مما دفع العلماء إلى إجراء
المزيد من التجارب والدراسات. وأخيراً، تم استخلاصها من جسم الإنسان
نفسه، وكمثال على ذلك حقن الـ (HMG)
التي تم استخلاصها من بول السيدات اللواتي يبلغن سن اليأس. علماً بأن
العلماء توصلوا مؤخراً إلى صنع هرمونات نقية من دون الحاجة إلى اللجوء
إلى بول السيدات وتدعى هذه الحقن (Recombinant
FSH) وهذا واحد من
أمثلة كثيرة نذكرها هنا لنذكر القارئة والقارئ العزيزين بأن كل ما يوصف
لهما من عقاقير طبية أو إجراءات مخبريه أو عمليات هي عصارة جهد طويل،
تأكد الباحثون خلاله من نجاح كل هذه الأدوية والعمليات قبل أن يُقدم
الأطباء الأخصائيون على استخدامها للعلاج.
واستمرت المسيرة
العلمية حتى بدأت التجارب في حقل تجميد الأجنة حيث كانت التجربة الأولى
في تموز 1979 وبمرور السنوات أصبح استعمال هذه الطريقة مألوفاً وتمت
ولادة أكثر من طفل حُفظ كجنين مجمّد في البداية ثم تم نقله إلى جسم
الأم.
ونود هنا أن نلفت
نظر القراء الأعزاء إلى أن الأجهزة التي استخدمت لتجميد وحفظ الأجنة
دخلت أيضاً سلسلة من التطورات العلمية وابتدأت مبسطة ثم أصبحت أكثر
تعقيداً وفاعليه. ولأن عقل الإنسان العلمي في صراع دائم لحل كافة
المشاكل المتبقية التي تعيق الحمل أو تؤخره ولوجود نسبة لا بأس بها من
الرجال الذين يشكون من مشاكل صعبة جداً في السائل المنوي من ناحية عدد
الحيوانات المنوية، وحركتها، وما إلى ذلك من مشاكل، فإن أحدث ما وصل
إليه العلم بعد الإخصاب خارج الرحم أو ما يسمى طفل الأنابيب هو إدخال
الحيوان المنوي بشكل مباشر داخل البويضة الأنثوية، أي الحقن المجهري
وبإدخال هذه الطريقة لم يبق إلا القلة القليلة المستعصية والتي يبحث
العلماء عن طريقة لحلها وفي مقدمة هذا الكتاب نود أن ننوه هنا إلى أن
كل ما ذكر ما هو إلا بداية سنحاول قدر المستطاع شرحها بأسلوب علمي مبسط
في هذا الكتاب.
وأخيراً وليس آخراً،
قراءنا الأعزاء، من المؤكد أنكم توصلتم إلى قناعة تامة في هذه الجولة
السريعة أن العلم ليس له حدود، وأن العلماء ما زالوا يبذلون قصارى
جهدهم لحل كل ما تبقى من معضلات ومشاكل.